Header Ads

شباب عراقييون يدفعون الملايين للشيطان ويتنافسون على الكآبة

زيد الفتلاوي

” بدأت حياتي بالحرمان من ابسط الاشياء .. وكنت اتحسر في صغري على اية لعبة ، غياب والدي جعلني اكبر بسرعة لأحل محله .. جسدي مازال صغيراً لكنه يتحمل ان اعمل حمالاً للبضائع لكسب الاموال ” بهكذا كلمات حدثنا “ثائر” ذو التسعة عشر عاما والابتسامة تعلو محياه بالرغم من وضوح شدة التعب الذي بان على جسمه المنهك ، فهو يعمل كل يوم دون توقف منذ الصباح وحتى المساء باوقات متقطعة وكلما زادت ساعات العمل زادت فرحته بكسب المزيد من المال الذي يتقاسمه مابين منزله الذي يضم والدته واخواته الثلاث  ومابين شراء ما يحلو له “اشتري مااريد فانا اعمل لاجل ذلك “.
لم يكن “ثائر” هو الوحيد الذي رفع شعار “اشتري ما اريد فانا اعمل لاجل ذلك ” فصديقه “قيصر”  الذي ينافسه بما أطلقوا عليه مصطلح تحدي الشراء يقول “نعمل من الصباح وحتى المساء بتعب وشقاء نعطي قسما منه لاهلنا والباقي نفعل به ما نشاء “.
الشيطان والكآبة
يوم الجمعة هو اليوم المخصص لثائر وقيصر لشراء ما يحلو لهم من (الشيطان والكآبة) وهي ماركات لملابس رياضية يطلقون عليها هذين الاسمين في سوق البالات بمحافظة الديوانية(180 كم جنوب بغداد) والتي تصل الى اسعار خيالية قد لا يصدقها الا من يدخل هذه الاسواق ، قطعة واحدة من ماركة الشيطان تصل الى المليون واكثر ولا تقل ماركة الكآبة عن هذا السعر ايضا .
علامة ماركة الكآبة
علامة ماركة الكآبة
اسعار خيالية تقطع الارزاق 
ابو حامد وهو احد تجار بيع الملابس المستعملة “البالة” في سوق الديوانية ، تحدث لـ (اكد نيوز) عن ارتفاع اسعار شرائها من بغداد بعد دخول هذه الماركات وانتشارها بين اوساط الشباب بقوله”سابقا كانت البالة مناسبة للشراء حيث  كنا نشتريها بـ 100 الف دينار وتصل كحد اعلى الى 150 الف دينار لكن  الان ارتفعت اسعارها بصورة كبيرة حيث نشتريها من بغداد بسعر 400 الف دينار وتصل الى 600 الف دينار عراقي واكثر “.
وبين ابو حامد ان “سبب ارتفاع اسعار البالة هي الماركات الموجودة داخلها والتي يستخدمها غالبا ما يسمى بـ “شباب ستايل” ، حيث بدأو بالتسارع والتسابق على شراء هذه القطع وباسعار خيالية تصل للملايين ويأتون من محافظات عديدة لشراء ماركات الشيطان او الكآبة او غيرها من الماركات  كموضة جديدة “.
 واشار الى ان ” اسعار  قطعة البالة (الماركة) سابقا لا يتجاوز الـ 5000 دينار عراقي ، اليوم نفس هذه القطعة تباع بـمئات الآلاف من الدنانير ، وهذا الارتفاع اثر تأثيرا كبير على بيعنا لهذه الملابس “.
لعبة حظ والرزق على الله
ولفت تاجر الباله ابو حامد ان ” هذه الماركات قد لا تتواجد في البالة الا قطعة او قطعتين  بل يصل الامر بعض الاحيان ان  لا نجد اي قطعة منها وبالتالي نخسر خسارة كبيرة بدفعنا مئات الاف لنبيع القطع الموجودة بالاف الدنانير، وبعض الاحيان نحصل على 10 او 15 قطعة في البالة الواحدة وهي ما يعوض عن كل القطع الموجودة في البالة  بل نربح ربحا كبيرا ، لان قطعة واحدة تعوضنا عن كل البالة ، فما بالك لو كانت 15 قطعة ،فللحظ الدور الكبير في ذلك والرزق على الله  “.
شباب ستايل والتحدي
ثائر وقيصر يفتخرون بانهم ضمن مجموعة شباب ستايل الذين يلبسون ما يحلو لهم دون الاستماع لاراء المجتمع ومن حولهم فهم يمارسون حريتهم الشخصية على حد تعبيرهم ويقول ثائر في حديثه الى (اكد نيوز) ” اني البس ما يحلو لي وشباب ستايل مجموعتي المفضلة ومعهم يحلو التحدي بالملابس رغم خسارتي بعض الاحيان “.
 وبين ثائر ان “مسألة الربح والخسارة في الموضوع تكون عن طريق المسابقات التي نقوم بها في العالم الافتراضي حيث نتبادل الماركات عن طريق موقع الفيس بك ويوجد كروب خاص تحت مسمى (ملابس البالة) نقوم بشراء القطعة ونلتقط لها صورة ومن ثم نقوم بانزال هذه الصورة داخل الكروب فمن يُعجب بالقطعة مباشرة يدخل على صاحب الصورة عن طريق الرسائل الخاصة ويبدأ الاتفاق عن سعرها وطريقة ايصالها للشخص”.
وعن طرق ايصال ودفع الَثمن وضح ثائر ان “بعض الاشخاص الذين يشترون القطع من غير مدينتي ، فبعد الاتفاق يقوم الشخص المشتري بارسال الاموال عن طريق اي شخص يصل المحافظة او عن طريق سائق تكسي من معارفه يعمل مابين محافظتي ومحافظة الشخص الذي اشترى مني القطعة ، واقوم بدوري اعطاءه القطعة لايصالها للشخص نفسه او يقوم الشخص نفسه بالحضور الى الديوانية ويستلم القطعة بعد ان يدفع مبلغها لي شخصيا “
تحدي المقاهي 
قيصر هو الاخر حدثنا عن طريقة اخرى للبيع والشراء فيما بين اعضاء شباب ستايل حيث قال لـ (اكد نيوز)اننا “نجتمع دائما في احدى مقاهي المدينة ويحضر الكثير من الشباب الذين يرتدون هذه الماركات وهنا يبدأ التحدي بالملابس واسعارها وقدرة كل شخص على ان يدفع اكثر لشراء اغلى الماركات من الشيطان والكآبة “.
واستدرك القول  ان “المسابقة تكون عن طريق تحدي اثنين من الشباب فيما بينهم على شراء قطعة اجمل واغلى من التي يرتدونها ويكون هناك شهود من الشباب المتواجد في نفس المقهى، وفي اليوم الثاني يجتمع الشباب والشهود للتصويت على من اشترى ماركة اجمل من الاخر ومن يحصل على اقل الاصوات يقوم باهداء الفائز الماركة التي اشتراها “.
واتفق ثائر وقيصر على ان قطعة الماركة تبقى  شيء جميل لمن يلبسها وبالمقابل تجارة للبيع والشراء باي وقت، فاصبحت زينة وتجارة .
مقامرة بشكل جديد
الباحث الاجتماعي في كلية الادابة جامعة القادسية الدكتور صلاح كاظم بين بأن هذه الظاهرة هي شبيهة بلعبة القمار بقوله ان “هؤلاء الشباب هم مقامرون بملابس البالة حالهم حال لاعب القمار في اي مكان بالعالم ، فهم يشعرون بسعادة وقتية من خلال فوزهم بالمسابقة او شراءه قطعة غالية السعر ، والمقامرة مهما تكن الارباح الناتجة عنها لا تستمر الى الابد فالخسارة موجودة في كل الاحوال ولا يوجد في تاريخ القمار ان هناك احد الممارسين للعبة قد استغنى عنها وكل الذين يمارسونها يعلمون  اذا ربح اليوم فغدا يخسر لا محال وهكذا “.
الهروب من الواقع واثبات الذات
وعن اهم اسباب لجوء الشباب الى هكذا ظواهر بين الدكتور صلاح كاظم ان “معظم الظواهر الاجتماعية والتي تختص بهكذا عمر من الشباب هي من اجل توكيد الذات اي يبني ذاته ونفسه بهكذا ظواهر في مجتمعاتنا  المغلقة والتي تخلو من فرص الابداع وقضاء وقت الفراغ ،فترى هؤلاء الشباب يتجهون الى اشياء رخيصة المعنى ويقيمونها بقيمة عالية جدا”.
واستدرك القول ان “هؤلاء الشباب يحاولون ان يعطوا لانفسهم صورة تختلف عن الواقع الذي يعيشوه ، حالهم حال الذي يتعاطى المخدرات لان صاحب المخدرات يشعر بسعادة وقتية وفعلا هو يشعر بهذه السعادة  لكن لا يشعر باضرارها على المدى البعيد والقريب ولا اضرارها المادية “.
 
المسؤولية تضامنية وللسياسة دورا بخراب الشباب
واشار كاظم الى ان “المسؤولية تضامنية فكل المجتمع يتحمل ذلك ، والمؤسسة السياسية لها الدور الكبير في جعل المجتمع العراقي مجتمع منهمك مدمر ، فالشباب اليوم لا يوجد لديهم فرص للابداع ، لا توجد مختبرات علمية لكسب وتشجيع الطاقات فضلا عن كون النظام التعليمي  “فاشل ” فلا يستطيع الطالب ان يحصل على سفرة مدرسية تعليمية وترفيهية لاعطاءه مساحة جيدة للتفكير والتأمل ، ولم نوفر له فرص ان يفهم نفسه بنفسه ويعرف مايريد  “.
 
الفيس بوك يلبي الرغبات والظواهر القادمة اشد
وبين كاظم عن سبب المسابقات التي يقومون بها الشباب المنغمسين في هذه الظاهرة حيث قال  ان “الشباب العاملين في ظاهرة شراء البالات باسعار خيالية ينشرون ويتسابقون في الفيس بك لانهم يجدون عملية تحقيق الذات ويجدون الناس التي تقف معهم وتحترم رغباتهم وتشاركهم الظاهرة ،لذلك صارت المشكلة هو عدم فهم الشباب والى اي مدى يريدون الوصول فتخرج هكذا ظواهر مع المتغيرات التي تحدث في العالم ،لذلك نرى الظواهر السلبية التي تخرج بسلوكيات الشباب تتزايد وكل يوم تزداد المشكلة تفاقما وتصبح اعمق من سابقاتها”.
وحذر  من ان “القادم اكيد سيكون اشد من تلك الظواهر بسبب عدم وضع خطط ناجعة لخلق جيل يثق بنفسه وقدراته ويعكسها على المجتمع “.

ليست هناك تعليقات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.